لماذا نكتب ؟ شهادتي على موقع كتب وكتاب ضمن شهادات 45 كاتب شاب

كتبت هذه السطور عام 2013، ونشرتها على صفحتي بموقع فيسبوك، وحينما طلب مني موقع “كُتب وكُتَّاب” مقالاً يُشكل إجابة عن سؤال “لماذا نكتب؟” عدت بسرعة إلى هذه السطور، وجدتها صالحة، لقد بدأت الكتابة لأول مرة منذ كنت فى الإعدادي، لكنني لم أكتب بشكل جاد، إلا منذ عامي الجامعي الأول، كان ذلك عام 1997، أي أنه قد مر على هذه اللحظة الآن 18 عامًا، خلالهم أصدرت أربع أعمال روائية، ومجموعة قصصية، ولا أظن أن الطريق انتهى، لكن لماذا أكتب؟ هنا أجيب عن السؤال.
من العجيب أنني لم أسأل نفسي هذا السؤال، على الرغم أنني لم أتوقف عن الكتابة منذ 18 عامًا، بدأت بكتابة أول قصة قصيرة، عام 1997، بعد دخولي الجامعة بشهور، وقتها تعرفت على جماعة أدبية في جامعة القاهرة، لا أتذكر الآن أي شيء عن هذه الجماعة، لكن أغلبنا كان مهتم بالشعر، وقليل جدًا كان مهتم بالقصة، كتبت أول قصيدة شعرية، في إحدى الزميلات آنذاك، لكني سرعان ما اكتشفت صعوبة الشعر، لضرورة تعلم “البحور” والتعمق في دراستها، وتدقيق الأبيات، ووزنها، كأن تتأكد، أن ما تكتبه من بحر المتدارك، أو على وزن “مفاعلة مفاعلة فعول”، كان الأمر معقدًا، وذهني كان مشتتًا، لكنني كنت بحاجة للكتابة، أو لهذا العالم السحري، العالم الذي تستطيع أن تصنعه بواسطة الحكايات، لأن عالمنا الحقيقي صاخب، مُزعج، لا يهدأ، ثائر دائمًا، هناك حركة دائمة، لا تتوقف، مثل قطار، أو صاروخ، أو حافلة ركاب، تتجاهل المحطات، من الغريب أن الكتابة كانت بالنسبة لي عالمي الشافي، من هذا الصخب المستمر، لا أستطيع أن أصف لك حبي لعالم الكتابة، سوى أنها عوضتني عن عجز دائم، كنت أشعر به حيال الحياة نفسها، عجز عن مواكبتها، عن مصارعتها، عن هزيمتها، كانت الحياة بالنسبة لي غول، وحش عملاق، كنت أستطيع جرحه، أو هزيمته، في معاركي اليومية مع الورق، انطلقت أكتب كثيرًا، كانت أيامي في الكلية، أخصب أيام الكتابة، وأعتقد أنها أفضل فترة، أنتجت فيها قصصًا قصيرة، لكنني وقتها لم أكن مرتاحًا لها، لم أنتج مرة نصًا، وشعرت تجاهه بأي ارتياح، دائمًا قلقًا، مرتابًا فيما أكتبه، في البداية ظننت أن هذه حالة الكُتَّاب المبتدئين، لكن هذا الشعور ظل يلازمني، حتى بعد انتهائي من كتابي الرابع، “خنادق العذراوات” أنني انتهيت، لكنني أشعر أنني لم أنته، لهذا أكتب، وبهذه الطريقة استمررت في الكتابة طوال 18 عامًا، وأظن أنني سأستمر إلى أن يشاء الله، لأنني لا أرتاح لما أكتبه، فأواصل الكتابة، هناك جوع داخلي للكتابة، يصف “أورهان باموق” هذا الجوع، بأنه ليس للأدب، إنما لإبداع أحلام جميلة، عن الناس، وعن الأماكن، والأشخاص، الكتابة عند “باموق” هي علاج، وهي بالنسبة لي نفس الشيء، هي خير سلاح، في مواجهة هذا الوحش، الغول، الحياة، التي تصارعني، وأجد نفسي مضطرًا دائمًا لمصارعتها، أنا وهي فقط في الحلبة، في هذه اللحظة، تكون الكتابة، هي أداة الدهشة، عصا الدهشة السحرية، القادرة على تشتيت انتباه الوحش، وإثارته، وتوجيه نظراته عني، وربما السماح لي على الأقل بتحقيق انتصارات صغيرة، تعينني على النجاة، أكثر وأكثر، وتعطيني أوقاتًا، وحيوات زائفة، مع هذه الحياة، الغول، لهذا أكتب، لم أحقق أبدًا سعادة مما أكتبه، لم أسعد أبدًا بما أكتبه، أظل مرتابًا، قلقًا، فأستمر في الكتابة، كأنني أبحث عن عالم متماسك، غير عالم الغول، غير عالم الحياة، الوحش، أشعر بالسعادة والراحة مع كتب آخرين، أو مع أفلام سينمائية، وعلى الرغم أنني حينما أجلس إلى مائدتي، محاطًا بهذه الأشياء الممتعة، وأبدأ في الكتابة، أستمتع قليلا، لأنني في هذه اللحظة أنسى لحظات الارتياب، والخوف والقلق من الغول، استرسل في رحلات خيالية، أقرب إلى رحلات علاء الدين، على البساط السحري، أستمتع فقط بينما أكتب، لكن استمتاعي سرعان ما يزول، حينما أنتهي من الكتابة، لذا تكون أسوأ أيامي، تلك التي لم أكتب فيها على الإطلاق، تكون هي أضجر أيامي، أشعر وقتها أنني لم ألتق حبيبتي، أو لم أذهب إلى الملاهي، أو لم أسبح في البحر، أو لم أعد إلى لعبي القديمة، عندما أكتب، أكون كل هذا، أكون الحبيب الذي يذهب إلى حبيبته في لهفة، وجزل، أو الطفل، الذي يداعب سطح لعبته الجديدة، متلهفًا لسماع أجراسها، أو ذاك الذي يصطحبه أباه في أجازة نهاية الأسبوع إلى الملاهي، أو كل صيف إلى البحر، أكون هؤلاء جميعًا، حينما أجلس إلى اللاب توب، وأخترع الشخصيات، أجدل شعرها، ألبسها ملابسها، أنتقي علامات مميزة في شخصياتها، أرسمها، أحفظ ابتساماتها، وطرق نطقها للكلمات، لا تتخيل كيف تكون سعادتي، حينما أنهض أخيرًا، بعد أربع ساعات، أو خمس، مخلفًا خلفى عالمًا كاملاً، يموج داخله، بشخصيات، وأوجاع، وأحزان وأفراح، وقصص، وحوارات، وتدبير خبيث، وآخر طيب، في النهاية أكون سعيدًا، وقلقا في آن، مرتابًا، ومبتهجًا، محملاً بطاقة هائلة، من الحيوية، والسعادة، واليقين، والشك، والحذر، والوساوس، عوالم أخرى يموج بها داخلي، كأبسط رد فعل، لهذا العالم الذي كتبته للتو على الورق.

Comments