حوار عن خنادق العذراوات في جريدة الجريدة الكويتية 12 يناير 2014



الأديب وجدي الكومي: الكتابة تعطينا حياةً زائفةً


الأحد 12 يناير 2014
عبر حبكة روائية جديدة تميز بها في روايته {خنادق العذراوات} الصادرة أخيراً، نجح الروائي الشاب وجدي الكومي في أن يجعل من أحد مصانع المشروبات الواقعة في منطقة «بين السرايات» بطلا لعمله الروائي الثالث. عن أسباب اختياره هذه الفكرة الروائية لكتابه الأحدث، وكتابته القصة القصيرة، والكتابة الروائية كان الحوار التالي معه.



 تتناول في روايتك {خنادق العذراوات} حبكة روائية تدور حول الوطن المنهوب والتاريخ الزائف، وقال نقاد إن الرواية تحاكم التاريخ فهل تراها كذلك؟

في هذه الرواية نقبت في التاريخ، وحاولت محاكمته، فهو المسؤول عن حاضرنا، وكنت أرغب في محاكمة المقولات الكبرى، منها مثلا أننا لا نقرأ تاريخنا جيداً، وإن قرأنا هذا التاريخ، سنجد فيه كل الحلول لمستقبلنا. ذهبت إلى هذه المقولة فوجدتها إحدى أكثر المقولات كذباً وافتراء على الأجيال. بطلة الرواية أتقنت القراءة، وأجادتها، واجتهدت، وقرأت، لكنها لم تجد الحقيقة في النهاية في ما تقرأه.

هل مهمة الروائي إعادة كتابة التاريخ؟ أم تقديم عمل فني يمتع القارئ؟

هذا تاريخنا وليس تاريخ أشخاص بعينهم، هو تاريخ أمة، أجيال، أحفاد، من حقهم أن يطلعوا عليه ويعرفوه، وأحد أدوار الرواية، أن تعيد رصد الواقع والتاريخ وتقديمهما في حبكة فنية ما.
 تحمل الرواية في مضامينها تساؤلا للمؤرخين: لماذا زيفوا الحقائق، أخفوا ما حدث، ومنحونا تاريخاً مصنوعاً، متهالكاً، هشاً، يتساقط عند أول سؤال؟ ظننا أننا نعرف تاريخنا، ونحن لا نعرف شيئاً، هذا ما أريد أن أقوله في الرواية، إنهم كذبوا علينا، كذبوا كذبة كبيرة، أبدلونا الزيف، واحتفظوا لأنفسهم بما ليس من حقهم، وهم يظنون أن ما يحدث من حقهم وحدهم، ويخصهم وحدهم، لكن الحقيقة أنه يخصنا نحن، يهمنا نحن، ملكنا نحن، وهم مسؤولون عن واقعنا المشوه، الذى نحياه، هم مسؤولون عن سقوطنا في هذا الحضيض، من لم يعرف تاريخه، سقط في أول حفرة في طريقه، فالتاريخ مليء بالحفر، وتعرفنا على حفرة واحدة منها، كان كافياً لتمهيد الطريق.

كيف تطمئن إلى أن ما كتبته، هو الفكرة التي أردت إيصالها إلى قارئك؟ هل تستعصي عليك شخصيات كتبك أحياناً؟

لم أنتج مرة نصاً وشعرت تجاهه بأي ارتياح، دائماً أنا  قلق، مرتاب في ما أكتبه. في البداية ظننت أن هذه حال الكتّاب المبتدئين، لكن هذا الشعور ظل يلازمني، حتى بعد انتهائي من كتابي الرابع، «خنادق العذراوات»، فكنت أشعر أنني لم أنته، لهذا أكتب، وبهذه الطريقة استمررت في الكتابة طوال 16 عاماً، وأظن أنني سأستمر إلى أن يشاء الله، لأنني لا أرتاح لما أكتبه، فأتابع الكتابة.
 ثمة جوع داخلي للكتابة، يصف {أورهان باموق} هذا الجوع، بأنه ليس للأدب، إنما لإبداع أحلام جميلة، عن الناس، عن الأماكن والأشخاص، الكتابة عند {باموق} هي علاج، كذلك الأمر  بالنسبة إلي، هي خير سلاح، في مواجهة هذا الوحش، الغول، الحياة، التي تصارعني، وأجد نفسي مضطراً دائماً إلى مصارعتها، أنا وهي فقط في الحلبة، في هذه اللحظة، تكون الكتابة أداة الدهشة، عصا الدهشة السحرية، القادرة على تشتيت انتباه الوحش وإثارته وتوجيه نظراته عني، وربما السماح لي، على الأقل، بتحقيق انتصارات صغيرة، تعينني على النجاة، أكثر وأكثر، وتعطيني أوقاتاً، وحيوات زائفة، مع هذه الحياة، الغول، لهذا أكتب.

هل توصلك الكتابة إلى  السعادة؟

لم أحقق أبداً سعادة مما أكتبه، لم أسعد أبداً بما أكتبه، أظل مرتاباً، قلقاً، فأستمر في الكتابة، كأنني أبحث عن عالم متماسك، غير عالم الغول، غير عالم الحياة، الوحش. أشعر بالسعادة والراحة مع كتب آخرين، أو مع أفلام سينمائية، على الرغم من أنني حينما أجلس إلى مائدتي، محاطاً بهذه الأشياء الممتعة، وأبدأ في الكتابة، أستمتع قليلا، لأنني في هذه اللحظة أنسى لحظات الارتياب، الخوف والقلق من الغول، أسترسل في رحلات خيالية، أقرب إلى رحلات علاء الدين، على البساط السحري، أستمتع بينما أكتب، لكن استمتاعي سرعان ما يزول، حينما أنتهي من الكتابة.

اللغة أداة الكاتب، كيف تتعامل معها وهل تجد راحتك في اللغة الشعرية، أم أن اللغة التقريرية الصحافية أقرب إلى نفسك؟!

اللغة هي أداة الكاتب، مثل مقص الترزي، مثل سكين الجزار، أداته التي لا يستطيع أن يستغني عنها، والشعرية والتقريرية، هي وسايلتان يستخدمهما الكاتب، حسبما يتطلب الأمر، فإذا كان المشهد الذي أرويه، يحتاج رقة ودقة وسهولة في التناول، ورهافة في الحس، كان لزاما عليَََّ أن أكون شاعراً، وإذا كان المشهد الذي أكتبه، يحتاج إلى وعي وتركيز، وتفاصيل كثيرة، فيصبح من الضروري أن أكون محدداً في كلماتي، ومعنياً بالوصف، والتقرير، ميالا  إلى لغة صحافية تحقق هذا الغرض.

أي تأثير تريده لهذه الرواية على قارئك؟

أتحدى القارئ أن يدخل «خنادق العذراوات» ويخرج منها،  ثمة رواية تستمر مع كاتبها، حتى مع انتهائها، تكون هي مشروعه الحقيقي، صوته الحقيقي، كلمته الحقيقية، فيها كل روحه. معظم المبدعين، والكتاب، يوزعون من روحهم قطعاً، على أعمالهم، لكن بعض هذه الأعمال يكون كل روحهم وواسطة العقد بالنسبة إليهم.
 لم أكتبني من قبل سوى في بعض قصصى القصيرة، التي لم تقرأها، كتبت بعضا مني في «شديد البرودة ليلا»، كما كتبت بعضاً مني في «الموت يشربها سادة» وأظن أنني سأكتب بعضاً مني في «بيوت الدانتيل» التي تدور أحداثها في السودان، ولكن «خنادق العذراوات» تحويني، تحوي روحي، أظنها روحي كلها، لأنني كتبت نفسي فيها للمرة الأولى، حيرتي وترددي، ضياعي في سنوات دراستي الأولى.
مع أنني لم أعمل «ديلر» في الجامعة، إلا أن روح «مراد» الهشة المهمشة كانت روحي، عالجتها سنوات طويلة بالكتابة، لكنني لم أكتبني، كما كتبتني في هذه الرواية. أستمد «مراد» من روحي كثيراً، مع أنني بدأت أصفه في الملف الذي يجاور «اللاب توب» أوصافاً مغايرة لأوصافي، تخيلته بديناً، أو نحيفاً جداً، نظراً إلى فقره الشديد، وأحيانا تمنيت أن يكون مستقيماً كالسيف، يحرص على صلاة الفرض بفرضه، لكنني فوجئت بأنه يستمد مني الكثير، يسحب روحي، إلى سطوره، إلى الصفحات التي يواجه فيها نادية، إبراهيم سالم، رمضان، مسعد ووفاء شعرت أحيانا بأنني أنا من أواجههم، بدلا منه، أشفق عليه، فيتوارى هو، بينما أتقدم أنا.

كيف تصف أهمية هذه الرواية؟

 لا أستطيع وصفها بكلمات منمقة، فأقول مثلا إنها عتبتي إلى طريق جديدة في الكتابة الروائية، لم يخطر هذا ببالي فعلا، كل ما كنت أفكر فيه، أن جزءاً من روحي معلق بها، فإذا روحي كلها هناك. لا تمثل «خنادق العذراوات» نمطاً وفكرة جديدة، أخطو إليها، في روايتي الثالثة. كذلك لا تمثل مجرد رواية، أو عتبة روائية، إنها كتابي الذي أعلق عليه أمالي لا أعرف كيف أحبها هكذا، لكنني أحبها، أحبها أكثر من أي حبيبة التقيتها يوماً، وأحببتها مثل عشيق متيّم ينتظرها ويستعذب عذابها، يهواها حقاً بلا أمل، يسير مسافات ويقطع صحاري من أجل نظرة من عينيها.
 لا تمثل «خنادق العذراوات» مجرد شيء، بل إنها كل شيء، رحلة حج إلى نفسي، مغامرة روائية، لم أظنها تبدأ هكذا، لكنها بدأت، ولم أظنها تنتهي.
ثمة روايات لا تنتهي بمجرد أن يضع مؤلفها الخطوط الأخيرة فيها، بل تستمر معه، تعيش، ربما أكثر من عمره، يموت ولا تموت، يعيش أبطالها معه كل أوقاته، يستمرون في أيامه ولياليه التي لم يتصور أن يلتقيهم فيها. أظن أن «خنادق العذراوات» تنتمي إلى هذا النوع من الكتب، التي تبدأ بإحساس، تصدقه في البداية، يحركك، تشعر بتعبه، لكنك تستمر حتى تصل.

يميل كثيرون إلى اعتبار مجموعتك الأخيرة {سبع محاولات للقفز فوق السور} متتالية قصصية متقاربة المحتوى، لماذا لم تفكر في تحويل القصص إلى رواية؟

كل فن مستقل، القصة القصيرة أصعب الفنون، ولا يمكن أن تكون إلا في هذا القالب، كذلك الرواية. كل حكاية تفرض قالبها الخاص، وشخصياتها، فلا يمكن أن تتمدد قصة قصيرة لتصبح رواية، أو تنكمش رواية لتصبح قصة قصيرة.

Comments