حوار فى الحياة اللندنية عن إيقاع

وجدي الكومي: مرعب أن تحاكم عسكرياً على ما قد تكتبه

النسخة: الورقية - دوليالنسخة:الثلاثاء، ١٠ فبراير/ شباط ٢٠١٥ (٠٠:٠)
آخر تحديث: الثلاثاء، ١٠ فبراير/ شباط ٢٠١٥ (٠٠:٠)القاهرة - أحمد مجدي همامحوار فى الحياة اللندنية عن إيقاع

على الدرب «المحفوظي»، يمضي الروائي والقاص المصري وجدي الكومي، في النظرة الاحترافية للكتابة، فبخلاف تخصيصه أوقاتاً منتظمة لها، لا يجد الكومي غضاضة في السفر إلى مسرح أحداث أعماله، لدراستها، وتأملها، بل وتمشيطها والإلمام بكل تفاصيلها، بغية إخراج عمل روائي يمتزج فيه البحث التاريخي والجغرافي بالفنتازيا والمتخيل.
وأخيراً اخترق الكومي عالم «أغاني المهرجانات»، تلك الموسيقى الشعبية الجديدة على المجتمع المصري لدرجة الطزاجة، والتي أثارت جدلاً بين مرحب ورافض. في روايته الأحدث «إيقاع»، يقدم الكومي معزوفة مصرية أصيلة وحديثة في آن. هنا حوار معه:
> في «إيقاع» ترصد التغيرات الاجتماعية التي طرأت على المجتمع، فهل تؤمن بدور مجتمعي لفن الرواية؟
- أؤمن أن للفن دوراً في المجتمع، بالتأكيد يؤثر فيه، ويتأثر به، لا يمكن أن تنتج الظروف الاجتماعية المحيطة فناً منعزلاً عنها، لا يتأثر بها، ولا يؤثر فيها، لكن إذا تحدثنا عن دور مجتمعي للرواية، فهذا الدور يحدث تلقائياً، لكنني لا أكتب الرواية سعياً وراء هذا، كما لا أكتبها للتبشير بدين جديد، هدفي هو الفن، ولعبتي الأثيرة، هي تجويده، والذهاب أبعد ما يمكنني إلى التجريب فيه، الفن هنا كما قال كثر قبلنا لا يجب أن يكون إلا من أجله، أعتقد أن الباحث الحقيقي عن دور مجتمعي لفن الرواية سيفاجأ في نهاية المطاف بتسرب الفن نفسه من بين أصابعه. في «إيقاع» رصدت التغيرات الاجتماعية التي طرأت على مصر والمصريين بحثاً عن حكاية فنية مثيرة، تحاول أن تجيد اللعب على الموروث الفني للرواية الواقعية، في إطار المشهد الاجتماعي الجديد، هي محاولة لقراءة هذه التطورات، بصياغة حديثة تربط كل خيوط اللعبة، وتقدم الحكاية في ثوب مغاير للتناول التقليدي.

> غزلت عالم الأغاني الشعبية «المهرجانات» في دراما العمل، ألم تخش من الاتهام بإقحام ما هو مبتذل داخل عمل فني؟
- الرواية الجيدة لا يكتبها الخائفون، أن يتم اتهامي بإقحام ما هو مبتذل داخل عمل فني هو أقل الاتهامات خطورة من بين ما خطر على بالي أثناء عملي على كتابة «إيقاع»، لكن دعنا نناقش هذه النقطة أولاً، من يطلق الأحكام؟ ومن نسمح له أن يقّيم هذه الحركة الفنية أو تلك بالمبتذل، الأزمة الحقيقية التي نعيشها في مجتمعنا هي أن البعض استغل غياب الأحكام النقدية على الأعمال الفنية والأدبية وقفز فوق مقاعد الآلهة، وأخضعنا لأحكامه اليقينية، فاللون الغنائي الجديد «المهرجانات» يلقى المقاومة نفسها التي شهدها شعراء قصيدة التفعيلة لدى ظهورهم للمرة الأولى، في منتصف الخمسينات، قبل تكريس وجودهم، ثم لم يلبث بعد فترة أن قاد أحدهم موجة هجوم هائلة ضد شعراء النثر، أنا هنا لا أدافع عن لون غنائي معين، كما لا أدافع عن عملي، لكن صعود مطربي المهرجانات كما تناولته في الرواية كان طبيعياً كرد منهم على السلطة – أي سلطة – التي همشتهم، وهو ما أتناوله في إحدى حبكات الرواية الفرعية. مطربو المهرجانات حققوا وجوداً طاغياً، تغلغلوا في الشوارع المصرية، المحاصرة بالعشوائية والفوضى، هذه الأغنية وجدت في الشوارع الضيقة والحواري التي تسببت العشوائيات في اختناقها، وجدت متنفساً وسط الضيق، هكذا ينجح مطربو المهرجانات أبطال رواياتي في فرض صوتهم في المجتمع، وأن يجدوا لأنفسهم مكانا وسط التجاهل والتهميش.

تفضل دوماً أن تدرس مساحة تاريخية وجغرافية معينة ثم تكتب عنها، وتبدأ تخييلك من أرض واقعية... لماذا يحضر الواقع في أعمالك حتى ولو بصيغة تخييلية؟ بمعنى آخر أين أنت من كتابة التخييل الصرف (رواية «العطر» كمثال)؟
- الرواية الواقعية هي منطقتي الأثيرة التي تتيح لي أن أنطلق بأية صيغة تخييلية أرغب في العمل عليها، أرى فيها كل الإمكانات المتاحة لتقديم كتابة مدهشة وفانتازية تقارب المثال الذي طرحته «العطر» لباتريك زوسكيند، هو أيضاً انطلق من المدينة القبيحة، التي ينتصر فيها الظلم والرائحة العطنة، وصاغ عملاً بارعاً في فكرته وفانتازيته، من هذا العالم أيضاً كتبت في رواية «خنادق العذراوات» عن مصنع البيرة الواقع في منطقة «بين السرايات»، وصنعت فانتازيتي أنا أيضاً عن خنادقه.
> تبدو متأثراً بالعمل الصحافي في كتاباتك. روح البحث والتحقيق الصحافي تبدو جلية في رواياتك... هل أثرت الصحافة عليك سلباً أم إيجابا؟
- لم أعمل بالصحافة الاستقصائية لأتأثر بها في كتابتي الأدبية، التحقيق والبحث الذي أجريه دائماً بينما أعمل على أي عمل روائي هو أحد متطلبات الكتابة الروائية، وعملي بالصحافة لم يؤثر عليها، لا أعرف كيف يكتب أحدهم عن شارع لم يمش فيه، هل تكفي المخيلة هنا لإنجاز العمل؟ كان من الممتع أن ألتقي مطربي المهرجانات، وأن أذهب إلى الشوارع التي يقيمون فيها وأستمع لأصواتهم حية دافئة بينما تتسرب إلى وجداني، كما كان من الطبيعي أن أدخل أماكن أخرى، عاشت فيها «شفق»؛ بطلة «إيقاع»، وكذلك كان لازماً أن أدخل مصنع البيرة حيث تدور أحداث «خنادق العذراوات»، هل من الممكن أن أكتب الرواية من دون هذا الجهد؟ حسب ظني لا يمكن.
> اخترت ومضات من حياتك وضمنتها في المجموعة «سبع محاولات للقفز فوق السور»، هل ترى أن وصف «متتالية قصصية» ينطبق عليها؟ ولماذا تميل إلى كتابة النصوص الروائية وتُقِل في القصص؟
- من الممكن أن نصفها بالمتتالية، ومن الممكن أن تقرأها كيفما يحلو لك، لكنني كنت أكتبها بوصفها قصصاً منفصلة، وأظن أنني سأعود إلى كتابة القصص القصيرة بعد صدور «إيقاع»، لا أخطط لما أكتب، ما يهمني فقط هو أن أجلس إلى طاولة الكتابة كل يوم أو كل يومين.
> لماذا اخترت النشر عبر دار «الساقي»، وما هي المميزات التي توفرها ولا تجدها سوق النشر في مصر؟
- كنت أطرح نفسي عربياً، أحببت فقط أن أرى كيف يتعامل الناشر العربي مع هذه الكتابة التي أعمل عليها، كانت مغامرة، نجحت والحمد لله. أظن أن انتشار الكاتب يتحقق بالنشر عبر أكثر من نافذة، وحسبما أعرف، فـ»الساقي» لديها وكيل أدبي ناجح، يستطيع الانفتاح على الناشرين الأجانب، لتنشيط تبادل الحقوق، والترجمة، وهو ما يجتهد في عمله الناشرون المصريون أيضاً، لكن بقدر أقل حسبما أظن. هناك أمر آخر يتعلق بسعر الكتاب، لمسته في «الساقي» والكتاب اللبناني عموماً، أن تسعيره مرتفع بالنسبة لسوق الكتاب المصري، لكن الأصدقاء في دار «الساقي» تفهموا هذا الأمر وتباحثنا على طرح الرواية في مصر فقط بسعر يناسب سوق الكتاب هنا.

> حصلت على منح أدبية عدة؛ للإنتاج، أو للإقامة الثقافية، كلمنا عن هذه التجارب.
- كانت رائعة، وأعتقد أنها مهمة للروائي أو المبدع عموماً، لأن دعم الأدب حق على الدولة ورجال الأعمال، ويأتي على رأس التجارب المهمة التي يجب على الدولة أن تؤسسها، أن تخص مبدعيها ببعثات أدبية، فهي لا تقل أهمية عن منح التفرغ التي يمنحها المجلس الأعلى للثقافة، وهي للأسف هزيلة. منحة سفري إلى سويسرا التي قدمتها لي مؤسسة «بروهيلفتسيا»، ساعدتني على التفرغ لثلاثة أشهر بعيداً من وطأة الحياة والتزامها الاجتماعي، وكذلك الالتزام بالعمل، هذه التجربة ساعدتني على التفرغ تماماً للكتابة وإنهاء «إيقاع» التي كنت بدأت العمل عليها منتصف 2013.

> كيف ترى الحركة النقدية في مصر؟
-هنا يجب التوقف عند شيئين، أولاً أن المعروض من الأعمال الأدبية لا يتناسب مع حجم النقاد المهتمين بملاحقة المشهد الأدبي حتى اللهاث، المعروض كما يقال أكثر من المطلوب، حركة النشر كبيرة، وحركة الإبداع أكبر، ومساحة النشر المخصصة للنقد الأدبي أقل، وعلى رغم وجود المواقع الإلكترونية، إلا أن الاجتهاد النقدي لا يتلاءم في بعض الأحيان مع ما تقدمه هذه المواقع من أجور ضئيلة، وأحياناً يضطر بعض النقاد لنشر قراءاتهم النقدية على صفحاتهم الشخصية، على «فيسبوك» وغيره. الأزمة الثانية التي أراها سبباً في عدم مواكبة الحركة النقدية للحركة الإبداعية، هي غياب سلطة الناقد، الناس فقدت الاهتمام بالسلطة النقدية، وعزز ذلك المبدعون أنفسهم، وعلى رغم أن النقد لا يقتل، إلا أن بعض المبدعين تعامل مع الناقد على أنه كيان مهمل ليسوا في حاجة إلى رأيه أو مراجعاته، بعدما ظهر «ألتراس القراء» المزيفين على مواقع الإنترنت، فتحولت البوصلة إلى الاهتمام بمبيعات الكتاب، على حساب القيمة النقدية الحقيقية، وهذه ليست أزمة النقاد في ظني، بل تسبب فيها بعض الناشرين ومؤلفي الكتب أنفسهم
> هل تعترف بفكرة الأجيال الأدبية؟ وما الذي قد يميزك مع مجايليك من الكتاب عن سابقيهم؟
- أعترف بالتأكيد بهذه الفكرة، وأرى أن جيلي محظوظ أكثر من غيره بما أتيح له من وسائل معرفة، وبمعايشته لحظات سياسية فارقة، أثرت بالتأكيد في تحول بوصلة كتابته، وأمدته بأفكار جديدة، ووسعت مداركه الإبداعية، وتحدياته كذلك، لنقل إن ما يميزني وأبناء جيلي أننا للمرة الأولى بمواجهة الكتابة عن ديكتاتور سابق، وهذا تحدٍ لم يتح للسابقين.
> كيف ترى الأوضاع السياسية في مصر والمنطقة في ظل التوترات المنتشرة إقليمياً؟ وهل تخشى على حرية الإبداع من تيارات الإسلام السياسي وكذلك من الحكم ذي الخلفية العسكرية؟
- مرعب جداً أن تفقد حريتك، هكذا كنت أفكر طوال العام الذي حكم فيه محمد مرسي البلاد، كما هو الآن مرعب أن تحاكم عسكرياً على ما قد تكتبه، وتفاجأ أنه يعرضك لوطأة المساءلة القانونية

Comments