Skip to main content

لماذا ينفر بعضهم من الكتابة الواقعية - شهادتى عن المشهد الروائى - تم نشرها بصحيفة السفير اللبنانية نهاية 2014

لماذا ينفر بعضهم من الكتابة الواقعية



حذر إبراهيم عبد القادر المازني نجيب محفوظ من الرواية الواقعية بعد صدور روايته "زقاق المدق"، وقال له إن الروائيين الواقعيين يتعرضون للعديد من المشاكل، تعرض للبعض منها نجيب نفسه بعد صدور روايته "ثرثرة فوق النيل". أعتقد أن المشهد السياسي المصري الآن، وتداعياته هي السبب في نفور عدد من الأدباء المصريين من الكتابة الواقعية المصرية، بما تحمله من مخاطر السقوط في المباشرة، ولكنني آراه سببا أدعى لقبول التحدي، ومحاولة إبداع رواية واقعية، لا يكون دورها الفني فقط تحقيق الإمتاع الأدبي، بل أيضا تناول حالة المجتمع المصري في السنوات السابقة واللاحقة على ثورة "يناير" وإزاحة "مرسي" في أحداث 30 يونيو عام 2013.
أنظر بحسرة إلى عدد من الأعمال الأدبية التي آراها تختار عالما غير واقعي، وبقدر ما تحقق هذه الأعمال من طرح مدهش في بعض الأحيان لما تختاره من موضوعات، إلا إنني أشعر أن الرواية الواقعية في انحسار غريب، خاصة مع علو نبرة رواية "الجريمة" وأدب "الرعب" في الأوساط الأدبية، وكذلك الرواية التي بدأت تطرح جوانب من "التنمية البشرية" وما حققته من نجاح في أرفف "البيست سيللر". المشهد الروائي الآن صار معقدا وغريبا، تنحسر فيه الرواية الواقعية، وتتراجع في ظل إقدام خمسة أو ستة من الروائيين الشباب على كتابتها، وتقديمها بالحماس نفسه الذي كان سائدا قبل شهرة "ماركيز"، وسطوع نجم تيار الرواية التي تنتمي لعالم الواقعية السحرية.
في "خنادق العذراوات" روايتي الثالثة، وقبلها "الموت يشربها سادة"، و"شديد البرودة ليلا" التي صدرت أعوام "2013" و"2010" و"2008" تمرنت على تقديم هذه الرواية الواقعية، ولا أزال أتمرن على كتابتها، محاولا قدر الإمكان معالجة الواقع الاجتماعي المصري واضطرابه، والذي كان سببا في ما أظن لما حدث في السنوات التالية "2011"، من ثورة وتغيرات سياسية، لا تزال توابعها تلقي بظلالها على المشهد المصري. أجد نفسي في هذه الأعمال مضطرا لمخاطبة الظروف الاجتماعية التي تسببت في هذا التغيير السياسي الجارف. أشعر انني سأظل طويلا أتمرن على كتابة هذه الرواية الواقعية التي تناقش المجتمع، وتبحث فيه. لا أستطيع أن أنكر شغفي بالعمل في هذه الزاوية، خاصة أنني كثيرا ما أضبط نفسي أتابع حوارا بين إثنين من سائقي "التوك توك"، وأكتشف جماليات في هذا الحوار ربما تغيب عن زملائي كتّاب الرواية "الفانتازية"، فالمجتمع المصري يتحول، وتحولاته سريعة، ومدهشة هي أيضا، ربما تقارب في دهشتها، دهشة البشر الذين يطيرون، أو السماء التي تمطر ضفادع في صفحات أعمال "هاروكي موراكامي". أظن أن سؤال الرواية الواقعية لم يزل ملحا، وتستطيع هذه الرواية أن تحقق جذبا لشرائح واسعة من القراء المصريين الذين أفزعهم كم الكتب السياسية الصادرة عن الثورة، بالتزامن مع اندلاعها، واستمرار توابعها السياسية، فنفروا من هذه الكتب، ومن الرواية الواقعية.

 

Comments