حوار عن الرواية في موقع المدن

الكاتب وجدي الكومي لـ"المدن": المصري رواية تسير على قدمين
http://www.almodon.com/Culture/Articles/%D9%88%D8%AC%D8%AF%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%83%D9%88%D9%85%D9%8A--%D8%A7%D9%84%D8%AB%D9%88%D8%B1%D8%A9-%D9%84%D9%85-%D8%AA%D9%86%D8%AA%D8%AC-%D8%B4%D9%8A%D9%8A%D8%A7
يتسلل الكاتب والصحافي المصري وجدي الكومي إلى الثورة المصرية عبر تفصيل عار
ض في روايته "خنادق العذراوت" الصادرة عن دار الساقي. النص هنا لا يكترث للسردية العامة التي جعلها معظم الروائيين المصريين متناً لنصوصهم حول الثورة والأحداث التي تلتها.

عند الكومي يختلف الامر، فمصر الثورة وما قبلها ليست سوى مصنعاً للبيرة كانت تملكه الدولة قبل أن يخطط أحد العمال لنهبه وسرقته. بناء المعمل الأثري المجاور لجامعة القاهرة عاصر الوقائع المصيرية، مختزلاً تاريخ مصر الحديث.

لكن أي علاقة تربط بينه وبين كاتب الرواية؟ "في الحقيقة لا توجد أي علاقة شخصية تربطني بمعمل البيرة حيث تدور أحداث الرواية، سوى أنه مبني أثري عتيق يطلّ على جامعة القاهرة التي درست فيها"، يقول الكومي لـ"المدن"، مضيفاً "لا أنسى أول يوم لي في الجامعة عندما شممت رائحة تخمير الشعير المنبعثة من المصنع بقوة، الرائحة كانت قوية ونفّاذة. كان المصنع آنذاك في عنفوانه، يدرّ على البلد المليارات، فهو الشركة الحكومية الوحيدة الرابحة وسط سقوط وانهيار معظم شركات القطاع العام الأخرى".

لا يستطيع قارئ الرواية إلا أن يقاطع بين مصير مصنع البيرة ومصير مصر كلها. ذاك أن رجل الأمن السابق إبراهيم سالم يقوم بعدما بات موظفاً في المصنع بنهبه وسرقته، من دون أن يتورع مع شركائه، أستاذ التاريخ رمضان والمومس ناديا والجامعي مراد عن إتمام صفقة خصخصة المصنع تمهيداً لبيعه إلى شركة أجنبية. يقول الكومي"المصنع مثل مصر ضاربٌ في القدم، عاصر الاحتلال والجلاء. تم تأميمه في الستينيات، بعد ثورة يوليو، فأصبح أحد مصادر الدخل القومي. ومع دخولي الجامعة، تم طرحه للبيع، ضمن مشروع للخصخصة، جاء به عاطف عبيد رئيس وزراء مصر الأسبق، الذي تولى فترة الحكومة منذ 1999، في الحقيقة، كان مشروع عاطف عبيد لخصخصة مصر كلها، لبيعها قطعة قطعة، أو لتحطيم مواردها قطعة قطعة".

قصة بيع المصنع التي قرأها الكاتب كاملة بعد تخرجه من الجامعة جعلته أكثر ارتباطاً بالمصنع. "شعرت أن هناك رابطا ما بيني وبين هذا المصنع، خاصة أنه أثري وعتيق الطراز، وقديم معمارياً، قررت أن أكتب عنه وعدت لزيارته مرات عدة، كنت أشعر بالحزن، هنا مصر كانت تكسب، وتربح، هنا كان يعمل رجال ويكدون من أجل زيادة دخل الدولة، المصنع انتقل إلى منطقة أخرى". يتابع: "الأجهزة، التنكات، المعامل، كل شيء انتقل، وبقي المبنى شامخاً. من الخارج تشعر أنه قلعة عسكرية عتيقة، كانت تموج بالحياة، من الداخل، أطلال خربة، من أجل ذلك اتخذته مسرحاً للرواية، في هذه الأطلال تحيا القصص ولا يخمد صوت التاريخ".

شخصيات الرواية التي شارك معظمها بعملية نهب المصنع وخصخصته، تبدو مستسلمة للفساد الذي أصاب المجتمع المصري عبر عقود، وهذا أمر طبيعي بحسب الكومي "فالمصريون عبر تاريخهم، تحولوا إلى كتلة صماء، تدافع عن نفسها من مخاطر التلاشي إزاء هجمات الفساد التي تطرق أبوابهم وتخر من أسقف بيوتهم مثل ماء المطر المنهمر. الفساد في مصر صار كائناً متغلغلاً في نسيج الوطن، نتنفسه، يلطمنا أول شيء في نسمات الصباح، يعترض أقدامنا بينما تضرب خطواتها في الشوارع، الفساد في كل مكان". ويضيف "لقد تدرب المصريون على معايشة الفساد، دربوا رئاتهم فصارت قادرة على أن تتنفسه. لقد اندلعت ثورتان ولا تزال عجلة الفساد مستمرة".

انطلاقاً من ذلك فإن الشخصية المصرية تثير إعجاب الكاتب لأنها قادرة على مواجهة العبث، "لا تثير شفقتي بل تثير دهشتي. المواطن المصري هو في حد ذاته رواية مدهشة تسير على قدمين. أليس مدهشاً وجود اشتباكات دامية في قلب القاهرة، شهداء ومجرمون وأفراد أمن يسقطون، والمحال مستمرة في فتح أبوابها، ومواطنون يبحثون عن ملابس العيد. الشخصية المصرية مدهشة ومتطورة وكل يوم هي في شأن، ولا يوقفها حاجز، أو مانع عن إثارة الدهشة".

ولعل المفارقة في هذه الرواية تكمن في أن الكاتب الذي اختار موضوعاً ذكياً لفهم أحوال مصر اعتمد في الوقت نفسه بنية كلاسيكية للولوج إليه. "اعتمدتُ هذا النمط، نظراً لإلحاح الموضوع. الموضوع فرض ذلك، حينما أكتب". يقول الكومي: "لا يكون الأسلوب هو الهدف بحد ذاته، بقدر ما تكون الدهشة هي بغيتي، لذلك يأتي النمط الذي سأكتب به، في المرتبة الثانية من أولوياتي، فلو وضعته في المرتبة الأولى، ستفلت من يدي خيوط الحبكة. أضع نصب عيني دائما عنصر الدهشة".

وعن اختياره موضوعاً غير مباشر للوصول إلى الثورة، إذ يتسلل شبان 25 يناير إلى ميدان التحرير عبر خنادق سبق أن حفرت في أعماق مصنع البيرة، يقول الكومي "كل الطرق والمسالك تؤدي إلى الثورة في مصر، تيمات موضوعاتي، التي اخترتها، هي دائماً قريبة إلى متن الثورة، دون التطرق إليها مباشرة، الثورة كانت نصب عيوننا منذ 10 سنوات مضت. لكن الجميع كان يظن أنها ستكون ثورة جياع، تلتهم الأخضر واليابس، كأن هذا البلد بدون حضارة أو تاريخ. لقد كنت أكتب عن مسببات الثورة، ومن ضمنها هذا الموضوع، النهب المستمر لموارد هذا البلد، والتغطية المستمرة لهذا النهب، بإخلاء تاريخنا من حقائقه، وحشوه بالقصص الزائفة، أو المبهمة، أو الناقصة التفاصيل، الكثير من الكتاب تجاوزوا أسباب الثورة، ومقدماتها، وانطلقوا إلى الكتابة مباشرة عبر الرصد والتوثيق منذ بدء المظاهرات الغاضبة المطالبة بإسقاط مبارك، حتى تنحي هذا الأخير عن منصبه، أظن أن الكتابة عن الثورة بهذا الشكل، يجعلها سطحية كثيراً".

لكن، ماذا عن الثورة نفسها؟ هل أنتجت خطاباً سردياً جديداً؟ كيف انعكس على الكتابة المصرية بشكل عام؟ يجيب الكومي: "في ظني الثورة لم تنتج شيئاً بعد، لم تنتج خطاباً سردياً جديداً، كما لم تنتج أي شيء عملي على الأرض، سوى بعض الإفرازات السياسية السلبية"، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن "الأدب استفاد من الثورة، إذ أمدته بحبكات جديدة، لكن ذلك لم يتطور بعد إلى خطاب سردي، كما لم ينعكس على تطور الرواية المصرية. "أشعر أننا ننتظر ولم ندخل بعد الباب المفتوح علي مصراعيه، لكن الأدب المصري محظوظ بالثورة التي كسرت أمامه القيود القديمة، وفتحت أمامه مسارب ومسالك جديدة، وأظن، أن الكتاب الشباب ليسوا وحدهم من سيتقدم المسيرة، الكل سيتنافس في هذا المضمار"

Comments